امراة العزيز ويوسف الصديق
قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما. قيل معناه مهما رأيتما من حلم فإني أعبره لكم قبل وقوعه فيكون كما أقول. وقيل معناه إني أخبركما بما يأتيكما من الطعام قبل مجيئه حلوا أو حامضا كما قال عيسى وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم. وقال لهما إن هذا من تعليم الله إياي لأني مؤمن به موحد له متبع ملة آبائي الكرام إبراهيم الخليل وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا أي بأن هدانا لهذا وعلى الناس أي بأن أمرنا ندعوهم إليه ونرشدهم وندلهم عليه وهو في فطرهم مركوز وفي جبلتهم مغروز ولكن أكثر الناس لا يشكرون. ثم دعاهم إلى التوحيد وذم عبادة ما سوى الله عز وجل وصغر أمر الأوثان وحقرها وضعف أمرها فقال يا صاحبي السچن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أي المتصرف في خلقه الفعال لما يريد الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء أمر ألا تعبدوا إلا إياه أي وحده لا شريك له و ذلك الدين القيم أي المستقيم والصراط القويم ولكن أكثر الناس لا يعلمون أي فهم لا يهتدون إليه مع وضوحه وظهوره. وكانت دعوته لهما في هذه الحال في غاية الكمال لأن نفوسهما معظمة له منبعثة على تلقي ما يقول بالقبول فناسب أن يدعوهما إلى ما هو الأنفع لهما مما سألا عنه وطلبا منه. ثم لما قام بما وجب عليه وأرشد إلى ما أرشد إليه قال يا صاحبي السچن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا قالوا وهو الساقي وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قالوا وهو الخباز قضي الأمر الذي فيه تستفتيان. أي وقع هذا لا محالة ووجب كونه على كل حالة. ولهذا جاء في الحديث الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت. وقد روي عن ابن مسعود ومجاهد وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنهما قالا لم نر شيئا فقال لهما قضي الأمر الذي فيه تستفتيان. وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السچن بضع سنين. يخبر تعالى أن يوسف عليه السلام قال للذي ظنه ناجيا منهما وهو الساقي اذكرني عند ربك يعني أذكر أمري وما أنا فيه من السچن بغير جرم عند الملك. وفي هذا دليل على جواز السعي في الأسباب. ولا ينافي ذلك التوكل على رب الأرباب. وقوله فأنساه الشيطان ذكر ربه أي فأنسي الناجي منهما الشيطان أن يذكر ما وصاه به يوسف عليه السلام. قاله مجاهد ومحمد